تلخيص كتاب | تكوين المفكر

السلام عليكم، أحدّثكم اليوم عن رأيي في كتاب تكوين المفكر للأستاذ الدكتور عبد الكريم بكار، وبعض أهم النقاط التي لفتتني فيه.

تأثير الكتاب يأتي في أوقات لاحقة عندما تفكر في موضوع ما أو عندما ترغب بطرح فكرة أو نقد معين، وذلك عندما تقرأه بتأنٍّ وتفكير وتركيز، تجد أن طريقة تفكيرك قد تغيرت وبتَّ تعطي اعتباراتٍ أخرى لم تكن تأخذ بها من قبل.

الكتاب سهل وبسيط، ويمكنني أن أصفه  بالسهل الممتنع، فنصوصه وكلماته سهلة، لكن عليك أن تركز بها وأن تقرأها بتعمن وتُعمل عقلك وخيالك وأن تضع نفسك في موضع تلك الأمثلة التي ذُكرت في الكتاب، كي تحصل على الفائدة التي ترجوها منه.

الأقسام الأخيرة من الكتاب مهمة ومليئة بالأفكار الجديدة التي تنبهت لها، وكل أقسام الكتاب مهمة وجميلة وتضيف لك شروحًا مبسطة لتحصل على طريقة تفكير صحيحة قدر المستطاع.

أذكر لكم بعض النقاط التي لفتتني، أو ربما كانت جديدة عليّ، أو أعرفها لكنّ طريقة شرحها في الكتاب ثبتتها في عقلي.

أولًا/

العقل الجمعي، والعقل الفردي المستقل.

العقل الجمعي هو تصورات المجتمع والعادات والتقاليد والسلوك الانطباعات الخاصة بالأشياء التي نكتسبها من المحيط الثقافي لنا، والتي تقيّد التفكير وتكون عائقًا أمام نضج الفكر وممارسة النقد. فتجد أكثر الناس لا يحبون التجارب الجديدة وغير المألوفة، حتى أنهم يقدمون النصح بعدم التكرار لؤلئك المجددين.. بالتالي، فمن المهم على المرء أن يمنح نفسه فرصة الانعزال بنفسه وجسمه  عن الوسط ومفاهيمه ورواسبه ومقولاته، ثم يقوم بالتفكير والتأمل ليرى الأشياء بعيدًا عن سلطة الجماهير وسلطة العقل الجمعي القاهر، فيحرر عقله من كل تلك القيود ويحصل على الأفكار دون خوف من الابتعاد بالتفكير.

فيجب على أهل الوعي والفكر القيام بأمرين مهمين، الأول هو الخروج عن دائرة سيطرة العقل الجمعي ثم الإسهام في ترشيد ذلك العقل من خلال تعريفه على ذاته ونقد اعوجاجه وإثرائة بالآداب وألخلاق الإسلامية السامية، والثاني: دفعه في اتجاه الانفتاح على الفضائل التي لدى الآخرين والاستفادة من خبراتهم وتجاربهم.

ثانيًا/

الخريطة الإدراكية

وهي ما يتخذ منها المرءُ مرجعًا وإطارًا لفهم ما يراه ويسمعه، ومرجعًا لتفسير الأحداث من حوله.والجهات الأساسية لرسم هذه الخرائط هي: الأسرة، والمدرسة والإعلام. أي نمط الحياة التي يعيشها الفرد تؤثر على خريطته الإدراكية ومن ثم تكون مرجعًا له في كثير من الأمور. فالخريطة الإدراكية لدى الغني تختلف عن الفقير، تختلف عن الذين يعيشون في المدينة وأؤلئك الذين يعيشون بالقرية والضواحي، لأن كل منهم حصل على نمط حياة مختلف، وتعليم متفاوت، والبعض منهم لا تتوفر وسال الاعلام لديه بحرية كلآخرين.

بالتالي فالخريطة الإدراكية هي ما ينسجها عقل كل واحد منا، لكنها فيما بعد قد تحول دون عمل العقل بحرية وطلاقة. لكن إذا فهمنا ما يمكن أن تسببه لنا تلك الخريطة من قصور، يظل العقل قادرًا على تغيريها.. ويكون ذلك التغيير بقيام كل واحد منا بدراسات موسعة حول آرائة وأفكاره العامة في الحياة، والمقارنة بين ما لدينا وما لدى غيرنا وامتلاد الوعي بأنفسنا وبالعالم من حولنا.

ثالثًا/

الجهل مصدر للتناقض والشرور

الحقيقة الراسخة هي أن الناس جهلاء إلا إذا تعلموا. والجهل مصدر الشرور والخرافات والخلافات والهمجية. وان العلم يساعد الناس على حل مشكلاتهم والحصول على حقوقهم دون قتال، فالعلم سلاح العقل، وعقل بلا علم، كجندي أعزل. بالتالي فإن العلم يساعد صاحبه على مراقبة عواطفه ومشاعره وعدم الميل إلى التطرف، فكلما زادت ثقافة وعلم المرء زادت قدرته على الفصل بين العقل والعاطفة والتصرف بموضوعية أكبر.

رابعًا/

تحجيم الخيارت

يعني: إما هيك، أو هيك. بالرغم من أنه كلما خطونا خطوة إلى الأمام وجدنا خيارات أكثر في الأمور المعنوية كما في الأمور المادية، لكن مشكلة الناس أنها تتعامل مع الماديات بشكل أسلس من تعاملهم مع الأمور المعنوية، بالتالي يكون التقدم على الصعيد المعنوي أبطأ، وهذا يجعل الكثيرين ينزعون إلى تضييق وتحجير الخيارات في تصوراتهم للحلول وفي إدراكهم لمسارات العمل وإماكانية التقدم. فنجد أن الكثيرين يفكرون وفق مبدأ إما هذا أو ذاك، فلا يرون إلأا خيارين كثيرًا ما يكونان عسيرين، وتكون النتيجة هي الاستمرارية في التأزم التقدم ببطء.

يكون دور المفكر ها هو الحذر من السير الطويل في طرق مسدودة، لذلك يجب علينا أن نخرج من فخ المعادلات المقفلة والعمل على توسيع دائرة الخيارات. بحيث تكون خيارات كحل وسط.

خامسًا/

سطوة الانتشار، وتأثير الهالة

بشكل عام، الأفكار السطحية والسهلة وغير الدقيقة هي التي تحظى بانتشار واسع، وهذا بسبب أن التاير العريض في المجتمع لا يكون هو الأدق فهمًا والأوسع ثقافًة والأكثر اهتمامًا بالوصول إلى الحقيقة الصلبة. ومن شأن الإنتشار الإغراء بمزيد من الإنتشار. فمثلًا يظن الناس أن كلام وأفعال فلان رائعة ومفيدة وجذابة، ولولا هذا ما اجتمع عليه ألوف الناس لمتابعته والاستماع له! فأنت تتابع أحد المشاهير، وفلان يتابه لأنك أنت تتابعه وهكذا، فتتسع بعض الظواهر وتنتشر من غير أسباب منطقية مسلم بها. ويكون تأثير الهالة هنا حيث أن من اكتسب شهرة بسبب بروزه في مجال ما، يجعل الناس يعتقدون أنهي حسن الكلام، وأن اختياراته في حياته الشخصية دائمًا موفقة، بالتالي يتم استخدام هذه الشهرة في الدعاية والاعلام، لأنهم أصبحوا من الشخصيات العامة فإنهم يُدعَون لمؤتمرات ولإلقاء محاضرات رغم فقرهم – أحيانا – للمعلومات اللازمة وعمق الحديث في الموضوع الذين يتحدثون عنه، لكن ذلك يكون لأسباب دعائية أكثر.

سادسًا/

التنميط

التنميط قائم على التعميم الظالم، وهو ركيزة من ركائز التحيّز، لأنه يريح العقل من التفكير ويمكنه من إطلاق الأحكام وتجهيزها وتعليبها والبناء عليها من غير جهد يُذكر. إذ يكفي للمتحيز أن يلتمس البخل واللؤم من 5 أفراد من القبيلة كي يعمم ذلك على القبيلة كلها. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ” إن أعظم الناس عند الله فرية لرجل هجى رجلًا فهجى القبيلة بأسرها، ورجل انتفى من أبيه وزنّى امه”

وبالحديث عن التحيّز،

فيمكننا مقاومته والحد منه من خلال:

  1. الانتفتاح على العالم الآخر والشعوب المختفلة، لأن الانفتاح سيجعلك تدرك أن هناك من يخالف جماعتك في أمور كثيرة، وأن لدى هؤلاء المخالفين أشياء كثيرة جيدة تستحق التعلم.
  2. الإقرار بأن عندنا تحيزات، وعندنا رؤية ناقصة للآخرينز فإذا كنا نقر بقصور فهمنا لأنفسنا، فإن قصور فهمنا لغيرنا لا شك سيكون أعظم.

بالتالي يكوت التحيز عندنا أقل، نصبح أكثر تقبلًا للاختلاف. ونتوقف عن إطلاق الأحكام دون المعرفة المسبقة.

سابعًا/

العصف الذهني

هو وسيلة مجانية من وسائل تطوير الأفكار، وهو تحريض للدماغ على العمل من أجل توليد فكرة أو تطويرها أو إيجاد حل.

فقد نجد أن الكثيرمن الأفكار الإبداعية والعبقرية منسوبة لأشخاص عاديين ليس لديهم أي قدرات إضافية، لكنهم كانوا يملكن الثقة العظيمة بأنفسهم ونظرة إيجابية عريضة لذواتهم. فالنظرة الإيجابية للذات تحرض الدماغ على بذل جهود استثنائية، كما أن التفاؤل بإمكانية الوصول لشيئ قيّم يبعث في الإنسان روح الاستمرار والصبر على معاناة التفكير.

والهدف من العصف الذهني هو التفرد بالأفكار والحصول على أكبر قدر ممكن من الأفكار المختلفة، فالمهم هنا هنا الكم وليس الكيف. وعند الانتهاء من العصف الذهني يتم فرز الأفكار واختيار الأنسب منها والتطوير عليها.

ثامنًا/

تبسيط ما هو معقد

من العادات التي يرسمها لنا المجتمع وتقيّدنا وتقيّد أفكارنا، هي تبسيط ما هو معقد، وذلك حين نحاول تبسيط ظواهر معقدة مثل التدين، والبطالة، وتخلف التعلم والالتزام الأخلاقي. بالتالي، تبسيط هذه الظواهر الكبرى ذات الأبعاد الكثيرة والعميقة لا يتم بمجرد النصح والحديث عنه بشكل بسيط، لأن تبسيطها من شأنه عدم التطرق للكثير من الأبعاد والجوانب المهمة التي يجب أن تؤخذ بعين الإعتبار عند التفكير بالموضوع، ويحرمنا من إطلاق العنان لعقولنا بالتفكير بأبعاد الموضوع المختلفة. بالتالي يكون تبسيط هذه الموضوعات المعقدة وتجنب الحديث عن كل أبعادها يشكل فهم خاطئ للموضوع. وعملية التبسيط هذه من المطبات الكثيرة التي يقع فيها المثقفين فضلًا عن غيرهم.

عندما انتهيت من تلخيص هذه النقاط التي استفدتها من الكتاب، وجدت أن المجتمع والبيئة المحيطة لها دور كبير جدًا في طمس أبنائها بسب العادات والتقاليد التي رسخت وصارت من المسلمات.

بالتالي يكون علينا جميعًا الانتباه إلى أسرنا، لتكوين أسر حرة التفكير، مثقفة وواعية، من شأنها تقويم أبنائها من اعوجاج المجتمعات، ودعمهم على أفكارهم الإبداعية التي تطمسها المجتمعات التي تخاف التجديد. ولو حرص كل واحد على إنشاء أسرة مثفقة، حصلنا على مجتمع واعِ متعلمٍ يتقبل الغير، ونحصل على مجتمع ينمي مهرات إبنائة ولا يطمسهم.

لذلك قبل لوم المجتمع، عليما أن ننتبه إلى ذواتا، لنبني أسرًا سليمة معافاة من كل اعوجاجات ومثبطات خارجية.. فالأسرة هي اللبنة الأولى للمجتمع، إن صلحت، صلح المجتمع.

Leave a comment